المنسق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية اللبنانية والعربية

 مهنا: التطوع المدني مؤشر لنهوض المجتمع اللبناني وتحقيق التنمية المستدامة

الدكتور  كامل مهنا
الدكتور  كامل مهنا

 

قال الدكتور كامل مهنا المنسق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية اللبنانية والعربية، رئيس مؤسسة عامل الدولية، الأستاذ  في الجامعة اللبنانية ، إن المجتمع المدني مجتمع تطوعي ولا بد من إدخال عنصر أساسي في مهمات المنظمات المدنية، ألا وهو ثقافة التطوع، وهو التطوع التشاركي التنموي الحقوقي، لا التطوع التقليدي السائد المبني على الشفقة والفوقية.

 

وأكد الدكتور كامل مهنا فى تصريحات خاصة، خلال الإطلاق الإقليمي للتقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للمتطوّعين، وذلك في فعالية مشتركة استضافتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وأطلقت خلالها أيضاً الاستراتيجية العربية لدعم العمل التطوعي، أن التطوع يعدّ أهم خاصيات المجتمع المدني، فمن دونه لا تكتمل حلقة العطاء، ولا تنجز مشاريع التنمية التي تعمل المؤسسات المدنية على تحقيقها، ولا يقوم العمل الخيري أو الإنساني، ولا تتحقق الحرية أو تتثبت فكرة المواطنة أو تتعزز الديموقراطية. لذا لا يمكننا ذكر المجتمع المدني من دون أن يكون التطوع حلقة من حلقاته الأساسية،

 

 

وتابع الدكتور كامل مهنا ، بل من الصعب أن يتقدم المجتمع ويتحضر من دون التطوع، فمساهمة المتطوعين في المخططات التي تطلقها ورشات المجتمع المدني هي المؤشر على نهوض المجتمع وتكاتفه وتعاونه في سبيل ارتقاء درجات التقدم، بل إن مساهمة المتطوع عينه تزيد من معرفته وبناء شخصيته وثقته بنفسه، ومن طواعيته للانخراط في عمل جمعي أو قيادته لمشاريع العمل.

 

وأشار مهنا ، إلى أن الجمعيات المدنية هي أولًا وآخرًا جمعيات تطوعية، بل قيل في المجتمع المدني أسماء أخرى منها "المجتمع التطوعي". متابعاً ومع التنامي المضطرد لدور الهيئات التطوعية، في ظل سياسة اقتصاد السوق، وإعطاء أهمية متزايدة للقطاع الخاص والحد من الدور الخدماتي للحكومات، وما نتج من الأخيرة من فروق اجتماعية وإفقار لشريحة واسعة من المجتمعات، بدأ مفهوم التطوع يأخذ منحًى جديدًا، يشمل أبعادًا سياسية.

 

وأوضح الدكتور كامل مهنا ، أن  الأمم المتحدة وضعت مفهوم الحكم الراشد والركائز الثلاث: الدولة، القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية (أو القطاع الثالث)، فبات العمل التطوعي، بأجر كان أو من دون أجر، يقاس كقوة عمل تدخل في الإسهام الاقتصادي والاجتماعي من الناتج القومي. وبات الجهد الجسدي أو الفكري يحتسب من خلال مقاييس علمية.

 

واضاف الدكتور مهنا ، أن فكرة العمل التطوعي تطورت مع تطور الحياة، فلم يعد تعريف التطوع كعمل مجاني كافيًا لتلبية الحاجة إلى التطوع في العالم، بعد تناقص عدد المتطوعين. وبعد التصور الجديد للعمل التطوعي، في سياق خطة عام 2030 التي تؤكد أهداف التنمية المستدامة، تغيَّرَ معنى التطوع وآليته، فقد بات يتيح فرصًا كبيرة لاتخاذ القرارات المجتمعية وتبني برامج التنمية، تماشيًا مع الالتزام ببلوغ أهداف التنمية المستدامة. ولأن التطوع أصبح بهذا المستوى من التأثير على التنمية والاقتصاد، لم يعد مقبولًا الركون لفكرة معاملة المتطوعين كمقدمي خدمات زهيدة الثمن. ومن الضروري إيلاء الاهتمام اللازم بالطرق التي يكافأ بها المتطوعون ويعترف بهم على أساسها.

 

ولفت الدكتور كامل مهنا ، إلى أن  التطوع في المجتمع المدني اليوم يمثل أهمية  بالنسبة إلى المتطوع عينه، إذ يؤمن له، إثبات وجود وثقة بالنفس وقوة شخصية. كما أن خدمة الآخرين تدخله إلى فضاء المجتمع وتؤمن له علاقات اجتماعية جديدة. فضلا عن الاستفادة من العمل باكتساب خبرة. ورضى نفسي ينتج من أنه قدم خدمة إنسانية لمن يحتاج إليها. وكذلك ملء أوقات الفراغ بما هو مفيد. وأيضاً يتيح له العمل ضمن فريق فيكتسب خبرات متنوعة ويتفاعل مع أشخاص مختلفين.

 

وأوضح الدكتور كامل مهنا أن العمل التطوعى يمثل أهميته بالنسبة إلى المجتمع، وهي تتلخص ، فيوفر على الحكومات عددًا إضافيًّا من العاملين. والمساهمة في تحسين ظروف المحتاجين وفئات المجتمع عمومًا. وكذلك المساهمة في تنمية المجتمع ورفع شأنه.

كما ينبع العمل التطوعي من المجتمع عينه ووفق حاجياته، فيعبر عنه أفضل تعبير.

بالإضافة إلى الشعور بشراكة فعلية في المسؤوليات والمهام الإنسانية.  فضلاً أنه يشجع الشباب على العطاء في أوقات الفراغ، ما يبعدهم عن الانحرافات والسلوك السلبي.

وأيضاً سهولة التدخل السريع في الأحداث والكوارث الطبيعية والحروب والعمل على التخفيف من وطأتها على المجتمعات.

 

وكشف الدكتور كامل مهنا ، أنه قُدِّر حجم قوة العمل التطوعية العالمية بـ 109 ملايين عامل بدوام كامل، وهو رقم يتجاوز عدد العاملين في العديد من الصناعات العالمية الرئيسية. وبلغت قيمة العمل التطوعي 1.348 تريليون دولار أمريكي أو 2.4 في المائة من الاقتصاد العالمي بأكمله . ولا شك في أن البيئة الجغرافية، والنوع الاجتماعي، والعمر وغير ذلك من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تؤثر في حجم التطوع؛ ذلك أن التطوع في حد ذاته سلوك اجتماعي. ولهذا السبب يحتل التطوع غير الرسمي مكانة أكبر من التطوع الرسمي.

 

متسائلا ، العمل التطوعي إلى أين؟

مجيباً ،هذا السؤال مطروح لدى كل الجمعيات التطوعية في العالم، كونها تعتمد في وجودها على مؤشر الهبوط والصعود الذي بات يرتفع وينخفض بحسب الظروف المحيطة بكل دولة ومجتمع ومنطقة. وهذا ما نشهده في الإحصاءات التي تنشرها مواقع الجمعيات التطوعية المحلية والدولية. وإذا أخذنا إحصاءات اتحاد جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، نجد أن المتطوعين في عدد لا بأس به من الدول يتناقص عددهم، بسبب الفقر والأخطار التي يواجهها المتطوعون في البلاد التي تشهد أعمال عنف أو أوبئة. حتى أن الرقم العام الذي ينشره الاتحاد تراجع من 17 مليون متطوع بدوام كامل، بحسب تصريحات كثيرة لأمناء عامين في الاتحاد، إلى 14 مليونًا، ثم 13 مليونًا، ليصل في تصريح أخير إلى 12 مليونًا . وهذا لا ينفي إحصاءات الصليب الأحمر اللبناني التي تشير إلى ارتفاع عدد المتطوعين، إذ في العام 2001 كان لديه 2.006 متطوعين ، وقد ارتفع حاليًّا إلى قرابة 8000 متطوع .

 

 

 

وقال الدكتور مهنا ، المجتمع الدولي لم يعطِ المتطوعين حقهم في التقدير والاهتمام وتسهيل المهمات والدعم، حتى باتت هذه الثروة الإنسانية العظيمة مهددة بالأخطار الناتجة منها

- استهداف المتطوعين بالعنف السائد في أماكن عدة من العالم، ما تسبب باستشهاد عدد غير قليل سنويًّا، وجرح عدد آخر، وصدمات نفسية.

- حتى أن اثنين من كل ثلاثة متطوعين يتوقفون عن العمل اليوم بسبب COVID19.

- انخفاض تمويل عدد كبير من المنظمات التطوعية بشكل عام، في ظل تزايد الحاجة إلى العمل التطوعي.

هذا التراجع الذي بات واقعًا، وإن كانت هناك استثناءات في عدد من الدول، لا يغير من أهمية التطوع الذي يمنع تشرذم المجتمع ويسهم في بناء حياة مدنية واجتماعية سليمة، ويعزز مشاريع التنمية ويساعد في تدعيم الاقتصاد الوطني، ويمنح المتطوع قوة نفسية وجسدية وعقلية وشعورًا بالسعادة والرضا.

 

 

 

وقال الدكتور مهنا،  يقف العالم اليوم على مفترق طرق، والمنطقة العربية جزء متأثر بشكل مباشر بما ستعتمده القوى العظمى في المستقبل القريب. فإذا ما كان عالم ما قبل كورونا غيره فيما بعدها، فإما أن يأخذ عبرة مما يحدث الآن، ويتجه نحو التضامن أكثر وتوزيع عادل للثروات والاهتمام بالشعوب، أو نحو الانعزال. وما الأزمة التي رافقت كورونا، والأوبئة التي ستأتي، إلا نتيجة سياسات خاطئة اعتمدت على القطاع الخاص الذي يتحكم بالاقتصاد، والذي لا تهمه القضايا الاجتماعية، وكان هدفها الربح السريع والمباشر ومراكمة الثروات. وقد رأينا خلال الأشهر الماضية كيف كان خط الدفاع الأول عن الإنسانية قد تشكل من ملايين المتطوعين حول العالم، من أطباء وطبيبات، وممرضين وممرضات، وعاملين وعاملات في الصحة والإسعاف والنقل والدعم والمساعدات الإنسانية. وبالتالي، فإن مفهوم المكانة الاجتماعية السابقة ودور البطولة بات أحد المتغيرات، بعدما كان ثابتًا لقرون طويلة.

 

 

 

 

وأوصى الدكتور كامل مهنا  ، بإيجاد الظروف الملائمة وتبادل المعلومات والشفافية والحس بالمسؤولية وتعميم المعرفة بالأنشطة والمبادرات التطوعية على مختلف المستويات.

و ضرورة العمل على تجسيد روح الالتزام والتضامن والقيم التي يرتكز عليها التطوع لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وكذلك ضرورة الاعتراف الفعلي للدولة بأهمية التطوع، وبلورة استراتيجية طويلة الأمد، تتضمن المشاركة الحقيقية بين قطاعات التطوع كافة، من أجل انتاج برامج وطنية تلحظ الأولويات لتوجيه العمل التطوعي وترشيده، عوضًا عن انتهاج تبني البرامج الوافدة، أو ما لدى الجهات المانحة من تصورات جاهزة للتنفيذ.

و تفعيل موارد التطوع وتطوير قدرات المتطوعين واجتذابهم، والتركيز على دور الشباب والنساء، وتفعيل الفئات المهمشة للمشاركة في العملية التنموية.

وأيضاً الاهتمام بالتشبيك بين الجمعيات من خلال أطر تنسيقية قطاعية، وتشجيع الانخراط في الشبكات الدولية العربية المحفزة على تطوير العمل التطوعي.

اقرأ أيضا: حوار| رئيس مجلس وزراء المياه العرب: أزمة سد النهضة تتطلب موقفًا عربيًا حازمًا